إعلان

الرئيسية » » من منا لا يشتهي خبز القمر؟ | يوسف مسلم

من منا لا يشتهي خبز القمر؟ | يوسف مسلم

Written By Unknown on الثلاثاء، 17 فبراير 2015 | 12:12 م


من منا لا يشتهي خبز القمر؟
يوسف مسلم


يعلنون صباحهم في غرابة

صباحٌ ليس ككُلِّ الصباحاتِ،

لا يغتسلُ في ماءِ البراءةِ

مثلما يفعلُ كلُّ أبناءِ اللهِ الشرعيين،

ثُم يتركون ثقبًا في دماغِ الليلِ،

لعصافيرٍ غيرِ مجنحةٍ،

ت ثق لها ديدانٌ تستعجلُ الموتَ. 



ليس ثَمّ عمدٌ في هذا،

فكلّ شيءٍ يأتي تلقائيًّا،

الأكوانُ التي تُساقِطُها الشمسُ

حينَ تحكُّ جِسمَها في المدى الخشنِ،

تتراكمُ فوقَ رؤوسِهم ... فيفزعون.

ليس بمقدوري شيء

لذا سيتركونني بعد ثلاثين قمرٍ لتصطادني العزلةُ

وبعد أن يتشرّخُ الإسفلتُ على جباهِهم

يمكنك أنْ تبصرَ السنواتِ وهى تتقشّرُ عني

..... معذرةً ..... قد تُباغت بعريي القبيح،

لكنني مازلتُ واثقًا بأنني سأُهدِيك ذات يومٍ

وردةً من اللغةِ التي يعتادُها الصعاليكْ،

لغةٌ همجيةٌ كما أهوى،

وكما يكرهُ الأصدقاءُ،

لغةٌ مُغْبرّةٌ بترابِ الجنةِ ورمادِ الجحيمِ،

تحرثُ سماءَ غرفتي بصلواتٍ وتعاويذ،

كي تطردَ الشياطين التي أرهقتْ إلهي الجميلَ

بين ثلاثين قمرٍ شُنِقوا في السقفْ.



كانَ ناظمَ حكمت يهمسُ

(( أجملُ أطفالِ العالمِ لم يُولدْ بعدْ ))

بينما كنتُ ألهثُ صارخًا 

(( أجملُ الآلهةِ لم يعلنْ ألوهيتَهُ بعدْ ))



هو الإلهُ

وحدُهُ يقفُ كوجهٍ تناثرت ملامحُهُ

تحت عجلاتِ سيارةٍ

يزعقُ بوقُها بمارشٍ فاشيٍّ

هو يقتربُ منْ فجواتٍ فينا ونحنُ نبتعدُ...

نتنزهُ في فراغٍ أبديٍّ

متأبطينَ جحيمًا يتألّمُ تحتَ الجلدِ

وهو يقلِّصُ عينيه ليرانا

يدققُ في ملامحِنا المدببةِ.. الوعرةِ..

ينتقي عشبًا منْ الظلِ

جمادًا يترعرعُ في ثقوبٍ كثيرةٍ

نطرزُ بها القلبَ

دماءٌ

وحليبٌ

ومطرٌ أسودٌ

جاءنا بها رسامٌ تجريديٌ،

لطّخَ وجوهَنا ومضى

يفركُ عينيه فتتساقطُ صورُنا

مبرومةً كذكرياتٍ قذرةٍ

من كابوسِ يقظة.



هو الإلهُ

كانَ يلعبُ على وترِه المشدودِ بطولِ النيلِ

يعزفُ لحنًا من أجلِ أبنائِه الطيبين

وكنتُ بينهم

في صباحٍ ليس كهذا الصباحِ اللقيطِ

أرددُ وراءه الصلاةَ/ الأغنية

(( البحر غضبان ما بيضحكش

أصل الحكاية ما تضحكش

البحر حرجه مابيدبلش

وحرجنا ولا عمره دبل ))

آه يا أيها الإله

- فقط - تركوك محنطًا للذكرى

مثلما تركوا أقماري معلقةً من كعوبِها

وغدًا يعودون.. يملّحونَ عينيكَ

بالخرافةِ والهلاوسِ، بالرؤى العقيمةِ

غدًا يحملونَك على أجنحةِ الموتِ المتقنِ

يجتازون بكَ جماجم المخنثين،

قاطعي الطريقِ،

مدمني اللغةِ الأنيقةِ،

والسجائر الأنيقة،

والأحذيةِ الأنيقةِ

التي لا تعششُ فوقَها العناكبُ.

سيقدسون الذي قالَ:

ملعونٌ من يشتهي خبزَ القمرِ

منْ منّا لا يشتهي خبزَ القمرِ يا إلهي؟!!!

أكلنَا ملعونون إذنْ؟!!!



منْ هُم؟

هؤلاءِ الذين يجيئون على أبسطةِ الريحِ

يتعثرون في أرواحٍ عنكبوتيةٍ

يتهدلُ منها زجاجٌ نفتقُ به جراحَنا

يعتادهمُ الحزنُ

فيضربُ في جماجمِهم

ومضةَ فقدٍ/

مسًّا من إرثٍ ملعونْ.

وهُمُ القتلةُ

والمقتولون

يجيئون متسخي الأعينِ والرئاتِ

من أثرِ الحرائق في غاباتِ أنفاسِنا

أحدُهُم يتمحورُ حول عينِه

يطوي المدينةَ في نظرةٍ كلبيةٍ

أبراجُها المنغرسةِ في الهواءِ

وكان الهواءُ يئنُّ

شبقية السيرِ على كورنيشِ النيلِ

وكان الكورنيشُ يتنفسُ خطايانا

الأطفالُ الذاهبونَ إلى مدارسِهم

لابسين أحذيةً من القشِّ

وكانتِ المدارسُ محضَ زنازنْ



السابقون لهم،

يقولون إنهم رجالُ متعبون للغايةِ،

والمخنثون في الشوارعِ،

يتبادلون أرغفةً من المنشطاتِ الجنسيةِ،

ويسيرون أسفل البلكوناتِ،

كيلا يراهم الربُّ وهم يخطئون.



هم دائمًا يتحسسون سماءنا،

حين تنكمشُ على ما تحتويه، من شموسٍ مطفأةٍ،

وآلهةٍ محنطةٍ للذكرى

وكراتٍ أرضيةٍ كثيرةٍ،

تنسلخُ من حدقاتِنا رغمًا عنا،

ربما تنجرحُ الأعينُ،

وربما تدمعُ للحظاتٍ،

لكنها ـ حتمًا ـ تظل شاخصةً،

إلى كل هذه الكوابيسِ التي تخرِّطُنا

في الصحوْ.



وفي الوقتِ نفسِهِ

كان ثم عطرٌ يميلُ نحو دهشةٍ ما..

جنونٍ ما..

عطرٌ فقيرٌ نخنقُ به عرقَنا

عندما ندخرُ بعض قروشٍ

لنلاقي فتياتِنا

عند ناصيةٍ في آخرِ العالمِ،

هنالك يجلسُ مغنينا العجوزْ

يحاولُ أن يلصقَ لسانَه

الذي مزقته الصقورُ في صبحٍ لاهبٍ...

لم نستطعْ إدراكه

- فقط - كنا نصفِّرُ من بعيدٍ كي نفزعَ الصقورَ

لكنها أتتنا وبدّلت ناياتِنا بمناقيرٍ قميئةٍ

وراحت ترقصُ في السماءِ

وتُودعُ صغارَها في كبدِ البحرِ

كي تقرضَ عظامَنا النورسيةَ،

والمغني العجوز

لم يزلْ ينشدُ مواويلَه بالإشارةِ

ويهذي في وجعٍ

عن براري الدلتا وجبلِ النرجسِ،

عن شعراءِ المرحلةِ وشهدائِها

وبيرِ مسعودِ الذي كانَ يطرطشُ وجوهَنا

بأحلامٍ طفوليةٍ

عن مدائنٍ من الزجاجِ

وملائكةٍ صغيرةٍ

تغسلُ عيونَنا بماءِ الأسطورةِ.



ترى

ما الذي يحدثُ

إذا توهجَ

الصمتْ؟



سنذيبُ عظامَنا

في غيبوبةٍ لا لونَ لها،

وربما نصطفُ مع صائدي الأشباحِ،

الذين كنا نمقتُهم بلا حدودٍ،

أو نزاحم المشعوذين في حقدِهم،

ونتشممُ ورودَهم الميتةَ،

وربما نصفقُ لقطارٍ مخمورٍ،

يدهسُ رغباتِنا البرعميةِ



منْ أنتْ ؟!!!

ستسألُني بعد قليلٍ

رغمَ أنّكَ تعرفُني جيدًا

وستنسى كيف كنّا نَزِنُ أوقاتَنا بالخطوةِ

ونحملُ أنفسنا صخورًا وحديدًا

لبلادٍ لا تكفي لمجردِ أن تحملَ ظلَّنا

كيف كنّا نصطبغُ باللونِ الأحمرِ

عندما نقرأُ "أراجون" و"أمل دنقل"

وكيف كنا نرشق الشمس

بأسنانِنا التي ساقطتها الطفولةُ

ونحلم بشتاءٍ قزحيٍّ

ومطرٍ خفيفٍ كالرذاذِ

يجرفُ أخطاءنا الصغيرة

وها نحن

بعد سنواتٍ ظلّت تتصادمُ فينا

ككلابٍ مسعورةٍ

نقدمُ أجسادنا

طعامًا لحشراتِ الغرفةِ

بعد فرارِ الروحِ منّا والملائكةِ منها

أعلمُ أنّ الأكوابَ متسخةٌ في الأركانِ

وأن القصائدَ صارت حشوًا للأحذيةِ

والسقفُ يُهِيلُ عليّ بكوابيسٍ كثيرةٍ

لكنني مازلتُ أقدمُ الأطعمةَ للفئرانِ

التي تجري في أوردتي

وأكتبُ شعرًا يصيبُكَ بالغثيانِ

لأن رائحةَ المدافنِ

تفوحُ من معدتي.



التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

إرسال تعليق

نبذة عنا

Restaurants

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Travelling Diaries

Entertainment

Technology

Restaurants

Travelling

Entertainment

Technology

تسمية 4