إعلان

الرئيسية » » الحياةُ سيجارةٌ محشوّة بالتعب | محمود قطز

الحياةُ سيجارةٌ محشوّة بالتعب | محمود قطز

Written By Unknown on السبت، 14 فبراير 2015 | 2:31 ص


الحياةُ سيجارةٌ محشوّة بالتعب.. قصةُ القطعةِ الُمدهشة (لعلها نص)
محمود قطز


هاتفتُ لبنى منذ قليلٍ لأخبرها بأني مقبلٌ على تدوينِ أهم حكايةٍ في القرن .. دون أن أحدد رقم هذا القرن.. المتروك لكم، اندهشت لبنى.. دون أن تندهش، حين سألتُها عن مسابقاتٍ في مجالٍ ليست له جائزة يستحقها، ودعوني أفسر لكم سرِ القطعة التي توزعت إلى قطعٍ عديدة.. لكل منها دهشتها..




بداية سوف أنتزع (العين) من قطعتها لأحدثكم عن قطتى المدهشة .. أيضاً .. كل ما هناك.. أنها أيقظتنى ذات يومٍ بدلالها.. حتى تنقذني من حريقٍ في أرجاء الحجرة.. ثم عادت لتنقذَ أطفالها، فاحترقت معهم، كشمعةٍ أنارت لي طريقاً مبهماً، كأنها أنارت إبهامه، فصرتُ أترحم عليها، قطتي، وألعنها أيضاً، في الحالين لأنها أنقذتنى..



من الواجبِ برضُه، أن ابدأ بالقطعة بطلة هذا التحليق منذ التخليق.. وكان إبراهيم جاكسون يشرح لي في زحام المترو.. كيف أفركها جيداً على الورقة الرهيفة التي تشبه حبيبتي، ذلك بعد تسخينها على نارٍ هادئة.. لتصبح سهلة الفرك، وملتحمةً بتبغها، وبغائها.. فلما كان زحام المترو منتبهاً فيما يبدو.. أخفض إبراهيم صوته وهمس لي: ابحث في اليوتيوب عن طريقة لف الحياة..قلتُ له هل تقصد يا إبراهيم أن الحياة فتاةٌ لعوب، تختصر أناقتها على الباغين، وترتدي لي ولك ثوب الحداد؟..

قال إبراهيم.. أذكر يا حودة، أن هذه الحياة وقفت على أطراف أصابعها ذات يومٍ، وراقصتني.. ثم طارت فجأةً كغُبار، من يومها، وأنا اجيدُ الرقصض مع الأتربة.. قلتُ لإبراهيم: انزل إنت وصلت، في الواقع كنتُ أنا الذي وصل، إلى هنا وبدأ يكتب..

القطعةُ الأولى.. (الجُطعة)

أعود بالسنين إلى مراكب الشمس، وأمي تحكي لي بدارجةِ قلما تُهمل الجيم المفخمة، كيف كنتُ (قُطعة) أى جُطعة لحم لا تعرفُ من الحياة سوى براءتها، لكنّ العرافةَ التي تلازمها جسدها وروحها، انبأت أمي عن شقاء اللحم المرهف، وكنتُ في المدرسة، تصرفتُ في درس الإنجليزية، حين نسيتُ ( when I make amestakeK وقلتُ when I do wrong .. ) 

لم أزل امارسُ هذا الخطأ بعنايةٍ فائقة، وأنا أرصدُ شقاء اللحم في الوجود، وانتشاءه جداً .. هذه القطعةُ التي ترويها أمي، لعبت الكرة، وغنت، وضحكت، والتحقت بالخدمة العسكرية، وكتبت، وزفرت.. وشهقت، وألقت ما فيها.. فتجلت، وتحدثت في الهاتف منذ قليلٍ لتستريح مؤقتاً من هذا العناء..

القطعة الثانية.. (قطعةُ الشيكولاته)..

تذوقتني البنتُ التي عرفتهُا، فقالت: حبيبي لون الشيكولاته، لكن هل تتصور ان ذروة النشوة تُفكر كيف ربطت هذه الفتاة بين اللون والطعم في تعليقها؟ .. في الوقت متسعٌ لجلدي الأسمر ايضاً، وكيف كان مرآة للطيبة، يتضامن مع عينين جنوبيتين، وجبهةٍ تنحسرُ عن هشاشةٍ، وابتسامةٍ في شتى الأحول..للشيكولاته مذاقٌ مدهشٌ منذ البارحة.



القطعةُ الثالثة .. (قطعةُ السيراميك)

استيقظت الخلية النائمةُ لتدعوني ذات يومٍ إلى النوم.. ففي عام 99 أراد جرجس الراعي، وهاني عبد العزيز أن يستقطباني لما سُمى وقتها بـ "الشرارة" ونبها علىّ ان أقرأ ما جاء عن ثورة الصين جيداً، لكنهما نبهاني إلى أنه في ايام حكمهما المقبلة، ستكون الرواتب وفق حجم الثقافة للفرد، ولن نقبض أموالاً في أيدينا، بل سيكون التعامل بالبونات في شراء لوازمنا.. وسوف توضع لجميع المنتديات الفكرية أيقونة تشبه المئذنة.. كانت مسألة الثقافة محلولةً بالنسبة لي.. فقد حكى لنا جدي جميعَ المقامات التي عاينها بنفسه.. وحكى لي أبي عن جر النميم في بلادنا.. وجر النميم أبو الواو بالمناسبة.

كنا نجهزُ البيان الذي سيتصدر مجلتنا الأدبية، قلت لهما سأكتب البيان.. فما كان من صديقي الراحل محمد بكر سوى أن لكزنى بطريقةٍ قذافية كوميدية.. فتراجعت، واثناء الترجل مع بكر في طريق العودة للمنزل قال لي إنه كتب قصة طويلةً يتخيل فيها رحلة أبي الطيب المتنبي، منسحبةً على رجلٍ في حياتنا.. يبدأ يومه حين تكبسُ له امه الطربوش فوق رأسه.. بعد أن ارتدى الجاكيت الواسع والشورت وحمل حقيبة المدرسة.. أى زمن القصة الأول يعود إلى أيام اخيديو.. قال بكر أيضا إنى بطل قصته تلك.. أتجول في مدائنَ من قُماشٍ واحجار، وأعرف بشراً مبهورين بذواتهم، واتدرجُ في مناصب الحزن والمعرفة، واحتضن الكون برفقٍ أسفل ياقتي، وأشتهي ما ليس لي في البوح، واهندم الاطفال الذين سيخرجون إلى صباحاتهم، وأزيح ما بقىَ في ردائي المهترئ من جنون، فيتلقفه هذا الإناء الذي تشربون الآن.. ولما جاء الماء على قطعة السيراميك الناعمة، انحدر جميعُ المدعين إلى الهاوية، لذا لم أصدق جرجس وهاني عبد العزيز في أطروحاتهما.



القطعة الرابعة ..

(قطعةُ المايوه)

كان البحرُ هائجاً.. والموجاتُ المتلاحقةُ تتقوسُ لأعلى، مثل أفاعٍ بيضاءَ، تمطُ لسانها نحونا، ثم تنسحب، كيف كان البحر هائجاً إذاً والسابحاتُ الماهرات نجون من الغرق، في هذه الأثناء صرخت طفلة صغيرة لأن أحدهم سرق المايوه الخاص بأختها، وكانت أختها تحت الماء، تفتش عن خاتمها الملتهب، فقد ثمنه الجواهرجي بأنه لا يُقدر بثمن، الصرخةُ أزعجت الشاطئ كله، فتجمع الغطاسون نحو الموقع لعل غريقاً يُنتشل، كان قراصنة البحر يلوحون بمايوه الفتاة من بعيدٍ.. وهي مشغولة ـ لم تزل ـ بخاتمها.

لم يكن هناك أى داعٍ لأن تجعل هذه العائلة التي حكمت البلاد فيما بعد، من المايوه شعاراً على علمها... أرأيتم كيف يهزُ النسرُ الآن أردافه للقراصنة.. الذين يلتهمونها.. والرجلُ الذي يحملُ سوطاً وكتاباً في يده لا أصدقه.. ولا أصدق كذلك الفتاة التي لم تحتفل بالفلانتين كعادتها بحجة الشهداء، بينما كانت تنصهر حباً، واقسام الشرطة مخزنٌ كبير للحم والكهرباء، كان ذلك منذ عامين فقط..

أصدق من إذاً؟ ـ رجلاً قابلني بالمصادفة، وحكى لي ثلاثَ حكاياتٍ متشابهة.. قال الرجل في وجهٍ من وجوه مودلياني.. إن عصاته هذه التي يتكئ عليها من أطرافها ليست عصا سحرية، لكنه شق بها البحرَ وتركه نافقاً، وذات مرةٍ صادف رجلاً غيري يرتدي عمامة خضراء، ومعه ابنته ومسبحة.. وانزووا في لحظةٍ داخل العصا.. وفي مرةٍ من مرات اتكائه فقأ عين نملةٍ، فنظرت له بالأخرى، ونبهت جيرانها، وفي مرة أخيرة قابلني ورقبتي الآن في منتصف العصا.. هذا الرجل لم يكن نبياً، لكنه أراد أن يدمر المسافة بيني وبين طائرٍ في عنقي، ويخدش حياء الجبال التي تخاذلت، كانت السماء قد بكت، والأرض تلونُ أنفها.. الأمانة لم تزل معي..



القطعة الخامسة

(قطعة الدبش)

ذكرتُ صديقي بمواعيده التي ينساها، دائما، وأنه بهذه الطريقة في الحياة سيضيع نفسه، نبهنى إلى ان كلامي الذي يشبه قطعة الدبش هو فقط الذي يتحمله، بحكم الصداقة، تُرى كيف تحمل الرجال الذين رأيتهم في طريقي قطعَ الدبش الكبيرة فوق ظهورهم.. بنوا لنا في القرية جمعية استهلاكية، وطاحونة وسبيلاً للرعاة.. لكنّ أحدا لا يرعى هنا، هذه الرقرية مقفرةٌ على ناسها.. لذا خرجت لتوي من هناك.. وفي لساني هذا الدبش القاسي قسوة الأيام.




القطعةُ السادسة.. والأخيرة ربما

( قطعةُ الظلام )

بصراحة شديدة.. أنا رجلٌ فقير.. واحتسي في المساء شاياً مغلياً، يزيدُ نحافتي، وظنوني، فظننتُ فيمن وما حولي، بأنهم هذه القطعة المظلمة، تدورُ في رحىً كبيرةٍ ، مثلَ ثورٍ أعمى، ثم تصعدُ مدارات الوهج، حتى يسهل فركنا فوقَ قش الوجود الذي ينسحب بهدوء على هيئة اوراقٍ تسقطُ من شجرةٍ فارعة.. وتلفنا يدٌ في ورقة تُسمى الحياة.. 

هذه الحياةُ سيجارةٌ محشوة بالتعب.

وقبلَ أن يُسدلَ الستارُ الشفافُ على خشبة المسرح المحترق.. قالت فتاتي المجرمة: إنها ستترك الكتابةَ لي.. وتعمل بالرقص..

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ



التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

إرسال تعليق

نبذة عنا

Restaurants

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Travelling Diaries

Entertainment

Technology

Restaurants

Travelling

Entertainment

Technology

تسمية 4