رمسيس تبارك
أحمد عبد العزيز
رمسيس تبارك
أقنع الأسطى تبارك بشجاعته في قذف الحجارة , سائق السيارة الرمسيس, الريس
عنتر, بأنه يستطيع قيادة الرمسيس منفرداً حتى العمار_ رغم كونه فيما مضى
تباعاً عليها _, ذلك مما وجده الريس عنتر فيه من شجاعة فى قذف السيارة
المواجهة لسيارتهم بالحجارة ,في الواقعة الشهيرة لسائر سيارات الموقف ,
والتي كانت تريد فيه السيارة المعادية , ان تأخذ جزء من حارة الطريق خاصتهم
, في حين عدم أحقيتها له , كما تقول خارطة الطريق , لذلك وصى الأسطى عنتر ,
بأن يكون الأسطى تبارك هو خليفته لقيادة الرمسيس , وبعد وفاة الأسطى عنتر
فى حادث غريب, نتيجة وابل من الحجارة , أطلقه عليه أحد المارة فأصابه بدقه
كأن الأسطى تبارك قد دربه على كيفية رمي الحجارة ,أصبحت السيارة رمسيس فى
يد تبارك , يتصرف فيها تصرف الملاك في أملاكهم , ينقل اصحابها من أرض
الزحام والمشقة والجدب , إلى العمار , مردداً أساطير عن دوره البارز فى قذف
الحجارة في موقعتهم الشهيرة , وبعدما تزايد أصوات صاحبي السيارة ومن
يستقلونها بالداخل , من سوء حالة الرمسيس , وازدياد صوت أنينها , وتعسر
عجلاتها بطريق العمار الذي ما زال بعيداً , ورغم أن تبارك يسير فى الطريق
منذ فترة طويلة , إلا أنه يجهله , وبكل المحطات يظل متمسكاً بالقيادة
ولايريد ان يريحه أحد من عنائها , متعللاً ومتباهياً بخبرته السابقة فى
القيادة , وشعره الذي يشتعل بياضاً في هذة المهنة , التي يحبها , تزايد
أصوات الركاب , بالخلف , وحاول الجميع أن يخبره بتقصيره الشديد إلا أنه
يكتفي بالنظر إليهم عبر المراية التي تعلو رأسه , ويمط شفتيه قاطباً ,
وعندما طال الطريق بهم كانوا يمتنعون احيانا عن دفع الأجرة ويعتصمون عن
الدفع , وأحيانا من يجد فى نفسه الشجاعة والمهارة ,يستقل سيارة أخرى الى
بلد جديد , كان لتبارك ولدان أحدهما (ولاء) , وهو شبيه والده إلى حد
كبير,ولكن لا يريد أن يتعلم القيادة بالمرة ,ولكنه يُسعده , أن يقوم بجمع
الأجرة من الركاب , ووضعه تبارك بين الركاب لهذا الأمر , يجمع منهم الأجرة
ويتقرب من أصحاب الملبس النظيف منهم ويشاركهم فى ما يجمعون من طيبات فى
الملبس والمأكل , لاينظر إلى عيونهم الرافضة لذلك , غير انهم يمتثلون لما
يطلبه منهم خوفاً من غدر تبارك أبيه ,فقد يطردهم خارج الرمسيس ويقوم
بمصادرة أمتعتهم , والولد الثاني (جلال) قد نال قدراً من التعليم , وأحب
مهنة أبيه , لذا أجلسه على يساره بالسيارة الرمسيس , فتعلم منه كيف يحاور
على الطريق وكيف يستطيع التركيز فى التقدم , رغم صراخات الركاب والغوغاء
التي تنتج عنهم , وأكد له أنه دوماً يسلك الطريق الصحيح , الذي يراه هو فقط
, وليس ما يطلبه الركاب , فهم دوماُ ما يجهلون كيفيه القيادة , فتعلم جلال
أن يقود في ناحية , ورغبات الركاب واتجاههم فى ناحية أخرى , غير أنه ظل
بجوار أبيه تبارك ,على المقعد بصوره , يخالف عليها القانون – على اليسار –
ظل جلال يتعلم من والده غير أنه لم يعجبه من يجلس بالمقعد الأمامي للسيارة
رمسيس , فأصبح يستعمل كونه أبن الأسطى تبارك فى إختيار من يجلس بالمقعد
الأمامي من الركاب , وفي مقابل ذلك يتقدم صاحب المقعد الأمامي بحلول
وإمتيازات للولد الذي بدأ يلمع بالسيارة , ومن ينقل تعليمات الأسطى تبارك
دوماً الى الركاب كأنه المتحدث الرسمي , وبدأ فى سياسة رفع الأجرة على
الركاب , رغم عدم تقديم الإمتيازات , متعللاً بأنه يقوم بشراء المستلزمات
الضرورية للسيارة رمسيس , والبحث بين السيارات الأخرى على وسائل لتحديث
السيارة التي تعاني من إزدياد حمولة الركاب , رغم كون السيارة رمسيس , من
أجمل سيارات المنطقة بل الموقف بأكمله, فهي تتميز بالصلابة والتحمل رغم ما
تتعرض له على أيدي تبارك وجلال وولاء وأصحاب المقعد الأمامي وبعض أصدقائهم ,
من نهب لمقاعدها , وزجاجها , وتشويه منظرها الخارجي , وعدم السماح لأي
مسئول بالموقف بأنتقاد ما أصبحت عليه رمسيس , وما زال الركاب يتحسرون على
ما أصبحت عليه رمسيس , ويحمدون الله أنها ما زالت تسير لكونها السيارة
رمسيس فقط , ولو أن هذة الأفعال مع غيرها , لأصبحت خردة , بالية , منذ وقت
طويل , الأسطى تبارك بدأ فى ظلمة الليل يفتح حدقة عينيه على آخرها , حتى
يبصر الضوء الذي يجعله يكمل طريقه الى العمار البعيدة , فتقدم السن قد جعله
يعاني السير والتحكم , مما أصاب الرمسيس بالعديد من الصدمات والمطبات ,
غير أن الركاب قد تعودوا على ذلك , وأصبحوا مشغولون ببعض فتات الطعام التي
يبعثها إليهم الأسطى تبارك ,من حين لآخر, حتى يظلوا على قيد الحياة , وبدأ
جلال بشكل غير مباشر في تسريب بعض الركاب من النوافذ إلى سيارات أخرى
سريعة فمنهم من يسقط على الأرض وتبتلعه الطرق , ومنهم من يتعلق وينجوا ,
غير أن بعض الركاب ما زالوا يتمسكون بالرمسيس , وينادون من حين لآخر بأن
يتنازل الأسطى تبارك لأحدهم لمواصلة السير , فقد فشل فى أن يجد لهم الطريق
الصحيح للعمار , ومنهم من هو جدير بالقيادة , فيشير الأسطى تبارك لمن يجلس
بجوارة , وسرعان ما يتعامل صاحب المقعد الأمامي مع المتحدثين بالخلف ,
ويمارس عليهم أعمال الإرهاب, والتقييد فى المقعد أو الطرد خارج الرمسيس ,
حتى لا يُضل غيره من الركاب , كان جلال مشغولاً بأن ينال رضا الركاب في كل
حين , حتى يسمحوا له بأن يقود الرمسيس خلفاً لأبيه ,المحطة الرابعة فى
الطريق الطويل تقترب ,والأسطى تبارك يبصر كمين متربص على جانب الطريق ,
فيبدأ فى التفريج عن الركاب , وتلبية بعض متطلباتهم , وإقراضهم القدر
الكافي من الطعام الذي بحوزته , وفتح بعض الشبابيك للتهويه , وكذلك الإسراع
بالسيارة رمسيس فيظن الركاب ان الأمر في طريقه للتصحيح ,والوصول للعمار ,
فيباركونه للمحطة القادمة قائداً للسيارة رمسيس, وما زال الأسطى تبارك عالق
بمقعد القيادة , أصبح لايرى إلا بالكاد , يستعين بمن يجلس بالمقعد الأمامي
بجوارة على توجيهه , ونقل أخبار الركاب بالخلف , غير انه دوماً ما يسعد
بما يُنقل له من أخبار مكذوبة عن سعادة الركاب, لحكمته وخبرته فى القيادة ,
ورغبتهم العارمة فى أن يستمر في قيادة الرمسيس مدى الحياة , فيتوجه إليهم
بالشكر, ويمن عليهم بأن الرمسيس لم ترتكب حادث بفضل الله منذ أن قادها ,
تسير بسلام حقيقي ,وهو ما يسعى إليه دوماً , أن يسير بالحارة البطيئة ,
متجنباً السيارات الأخرى , حتى السيارة التي قذفها بالحجارة منذ أن كان
تباعاً , أصبح يقيم معها علاقات جيدة على الطريق , ويسمح لها بالمرور أمامه
, ويفتح لها الطريق لمواصلة السير , رافعاً يده مباركاً قدومها , وتقدمها ,
بل يمنحها بعض الوقود التي تحتاج إليه , بدأ النوم يُحيط بالركاب من كل
جانب ,واليأس من التغيير يطاردهم, وبدت أصواتهم تندثر يوماً بعد يوم , إلا
فيما ندر من البعض , الذين يتحدثون قليلاً ثم يختبئون تحت المقاعد ,المحطة
الخامسة بالطريق , جلال يزداد قرباً من عجلة القيادة ,ويزاحم أبيه عن حب
فى مقعد التحكم , ويدنوا من الركاب , يخبرهم أنه قادر على الوصول للعمار
بأسرع وقت , ساعده في ذلك أبناء مدرسته من الركاب, ينشرون بين الجميع مدى
تفهمه لمتطلباتهم , وساعدهم على ذلك ما كان يقوم به جلال من السؤال الدائم
عن مريضهم , وإلقاء بعض الحلوى على صغارهم ,والتهليل فى ألعابهم المفضلة,
حتى يكسب حبهم ويجعلونه القائد الجديد للرمسيس ,لم يعد الأسطى تبارك يتحدث
عن المحطة القادمة ,غير أنه بلا شك قد بدا واضحاً أنه يتمنى الخروج من
الرمسيس قبل خروجه من الحياة, لا يحول بينه وبين هذا سوى خوفه الشديد من
حنق الركاب الكاظمين الغيظ ,وبينما هو ما زال مخفياً نواياه المستقبلية عن
الرمسيس , وهل يتيح لجلال أن يكُمل الطريق للعمار التي مازالت لم تظهر على
مرمى البصر , بينما مازال هو يٌعاني من إزدياد عدد ركاب الرمسيس , وإرتفاع
درجة حرارتها , حتى يحكم قبضته على عجلة القيادة بخوف ....