دين النقيضين
ليس دينا جديدا بالمعنى المفهوم، فلم يبشّر به نبي ولم يتنزّل بين يديه وحي فماذا تراه
يكون؟
أراه أقرب لتعاويذ شيطانيه، سحر أسود كهذا الذي يفرق بين المرء وزوجه, لعنة تصيب لُبالعقل
فلا يرجى بعدها شفاء ولا يعرف بعدها منطق.
طلسم إستطاع أن يجتمع في أذهان نقيضين, ليذهب بأحدهما إلى أقصى اليمين, وبالآخر إلى
أقصى اليسار.
ربما الأقرب في التوصيف اعتباره آله أو ربما إلهاً جديداً يعبد.
إله الكراهية هو, إله حاكم لا حكيم, مستبد لا حليم، شِرعته إتعاس البشر ورهقهم, ونزعاته
عرقية بحتة لا وفق لون أو معتقد أو جنس, بل عرقية مناطها الوحيد القدرة على الكراهية
والبغضاء.
كراهية الآخر..كراهية الجمال..كراهية كريم الآخلاق.
إله يكره بني الإنسان ويصنفهم ذكراً وأنثى لا يربطهما سوى الجنس والرذيلة, ذكر لا يرى في
الأنثى سوى وعاء لافراغ الغرائز الدونية, جسد بلا عقل أو وجدان أو إحساس لا يفقه سوى لغة
الغواية وألاعيب الفتنة.
وأنثى لا ترى في الذكر سوى وحش كاسر, وذئب بشري يجيد الإفتراس والتنكيل ونهش
الجسد بالفعل والقول والبصر.
إله كاره للفنون والآداب والفلسفة بل وشتى صنوف العلوم, يلزِم بالنقل ويبغض العقل ويستلذ
السفك والذبح والقتل.
يعبد خوفا من كل عاجل مجهول, ورغبة في كل آجل ممنوع.
لا يعنيه تحري الصدق قدر أطوال اللحى, ولا التزام الأمانة قدر قصر الثياب, ولا طهارة القلب قدر
وأد المفاتن في نظر مرضى القلوب.
كل ابتلاء للبشر بين يديه عقاب وتنكيل وفرح وتشفي، وكل مصدر للبهجة والطمأنينة والسعادة
هو غفلة ونقمة وإمهال بين يدي عذاب اليم.
هكذا كانت صورة هذا الإله في نظر صنفين من البشر, لم يعرفوا إلها غيره ولا معبودا سواه، هو
ذات الإله في الحالتين بذات الصفات والقدرات، وذات الصورة.
كفر به أحدهما فصار "ملحداً"، وسلّم له الآخر فصار"متطرفاً"..ولم يعرفه أخرون فظلوا عباداً لله
رب العالمين.