هذَا الوجُودُ لا يَسْتَحِقَ الشَفَقةَ؛
سَأُمعِنُ فِي إِيلَامِهِ حِينَ أَعُضُّ شَفَتَيْكِ،
وَأسْحَقُهُ كُلَّمَا احتَوتْكِ ذِرَاعَاي.
أَمَازِلتِ تَحْلُمِينَ بِصَبَاحٍ عَلَى صَدْريِ
يَتَنفسُكِ وتَتنفسِينَهُ؟
لا زِلتُ أَحْلُمُ بِقَهوةٍ أطهُوهَا
فَوْقَ اهتِزَازَةِ صَدرِكِ فِي القُبلَةِ الأَولَى،
كُلُّ قُبُلَاتِنَا يَا نُون كَأَنَّهَا القُبلَةُ الأُولَى،
لَكِنَّنِي لَمْ أَحظْ بَعدُ بِقَهْوَتِكِ الإِلَهيَّةِ،
لَأنَّ الوُجُودَ لَيْسَ إِلَّا إِغْفَاءةٌ للعَدَمْ.
لكَأَنَّ الله
خَلَقَ المَطَارَات والرَأْسمِاليّيِن والعَسَاكِرَ،
ليَكُونُوا جَحِيمَنَا الأَرْضِيّ.
فِي البِدءِ كُنتُكِ يَا نُون،
لَكِنَّهُم سَرَقوُا مِني البِدءَ والمُنْتَهَى،
وَعَلّقُوهمَا أَوْسمةً عَلى صَدرِ المَارشَالْ،
فصَارَ المارشَالُ نَبيًّا وإِمَامًا،
يَتَوَضأُ بِقَيْءِ تَارِيخٍ عَاهِرٍ،
خَطّهُ المُخَنّثُون عَلَى مُؤَخِراتِهم،
حِينَ عَادُوُا، مِنْ حَفْلِ الجِنسِ الجَمَاعيّ،
فِي مِيْدانِ التَفويِضْ.
كَانَ يَشْحَذ أَسِنَّةَ رِمَاحِهِم،
ويحشو بواريدهم بالكذب..
وكنت ألقم القِطَطَ الصَّغِيرَةَ،
كِسْرَاتِ خُبْزٍ مَغْمُوسَةً فِي حَليِبِ أُمي.
كَانَ يُعِدُ كُشُوفَ الاعْتقَالاتِ وَالاغْتيَالاتْ..
وكُنتُ أُخَبّئُ اسطُوَاناتِ فَيْرُوزِ تَحْتَ جِلْدِي.
كَانَ يَسْتَوْرِدُ المَوْتَ المُعَبّأَ،
فِي العُلَبِ الأَنِيِقَةِ من أجلنا..
وَكُنتُ أَغْرِسُ كُلَّ صَبِيحةٍ حَيَاةً
فِي شُرْفةٍ تَشْتَهِي إطْلَالَتُكِ مِنْهَا عَلىَ إِسكَنْدَريّتِكِ.
كَانَ يُعَلِّمُ أَطْفَالَهُم أَسْهَلَ الطُرُقِ لاصْطِيَادِ رِقَابِنَا،
وَكُنتُ أعلم أَطْفَالَنَا،
كَيْفَ يَرْسُمُونَ الأَزْهَارَ عَلَى جُدْرَانِ أَحْلامِهِمْ.
كَان يَطْحَنُ أَزْهَارَ أَطْفَالنَا،
تَحْتَ جنازير دباباته في الشوارع..
وكُنتُ أَمنحُ أطفَالنَا أزهارًا جَديِدةْ.
وكَمَا تَحْفَظُ الشّوَارِعُ وَقْعَ خُطَاي،
وَتُرَبّيِهَا ليَوْمٍ غَاضِبٍ سَيَجِيءْ،
أَحْفَظُ تَحْتَ جِلْدِي،
قُطْعَانًا مِنَ القَصَائِدِ،
تَرْعَى اسْتِعْدَادًا للذّبْحِ تَحْتَ قَدَمَيْكِ،
حِينَ أَحُكُ أَنْفِي بأَنْفِكِ،
تَحْتَ ظِلَالِ هَرَاوَاتِ الأَمْنِ،
لَمْ أَعُدْ أَسْأَلُ:
لِمَاذَا يَكْرَهُنا العَالَمُ يَا نُونْ؟
لأَنَّ سَمَائِي مُثَقَّبَةٌ،
مِن كَثْرةِ مَا عَبَثَتْ بِهَا سَنَانِيرُ الصيّادِينَ الحَمْقَى.
لَكِنَّ أَسْمَاكِي عَسيِرةُ الهَضْمِ،
لِذَا عَادُوا بِخَيْبَاتِهِم،
مُخَلّفِينَ سَمَائِي،
تَغْرِقُ فِي نَزْفِ بَكَارتِها.
وَالوُجُودُ يُطَارِدُنَا بابْتِسَامتِه البِلَاستِيكيّةِ،
حِينَ وَضَعَ كُلَّ مَطَارَاتِ العَالَمِ،
حَاجِزًا يَمْنَعُ تَعَانُقَ لِسَانَيْنَا،
فِي رَشْفَةِ قَهْوَتِكِ الإِلَهيّةِ.