إعلان

الرئيسية » » الشَّهيق .. إلي سيد الوكيل | عاطف عبد العزيز

الشَّهيق .. إلي سيد الوكيل | عاطف عبد العزيز

Written By هشام الصباحي on الأربعاء، 24 سبتمبر 2014 | 2:42 م

الشَّهيق
.. إلي سيد الوكيل

نادية نبيل سَنَد لم تعدْ (نُنُّس) يا سيِّد، ولن تنفعَكَ في محنتِكَ تلك عروسٌ بيضاءُ، تحتفظُ بابتسامتِها منذُ قرنٍ في صندوقٍ من الزُّجاج، ربما ذلك لأن الأيّام تبدَّلتْ، ومرَّتْ -كما يقالُ- تحتَ الجسورِ مياهٌ كثيرةٌ، أو ربما لأن اللهَ لا يحفظُ لنا أسماءنا، إلا بقدرِ ما نُحصِّنُ سرائرَنا من الضغائن.
كانتِ الأيامُ حربًا: طالتِ الطوابيرُ، وشحَّتِ الأقواتُ، وتقاطرتْ في الطُّرقاتِ لحىً وجلابيبُ بيضاء، أما الناصريَّةُ فبدتْ يومَها مثلَ مركبِ نوحٍ بعد أن غاضَ عنها الطُّوفان: مهجورةٌ ومقلوبةٌ على جنبِها، غير أن اللهَ لطفَ بنا في الوقتِ المناسبِ، ورُزِقْنا -كما تعرفُ- بمرفت أمين. 
أنا أيضًا كان لديَّ نُنُّسْ، نعم .. كان لدي ذاتَ يومٍ حبيبةٌ دقُّوا على رسغِها صليبًا، حاولتِ البنتُ مرَّةً محوَهُ بالحمض، فازدادَ وضوحًا. كنتُ أتركُ لها جسدي الأبكمَ خلفَ سواترِ الدِّفاعِ المدنيِّ، فإذا قضتْ مني وطرًا، تحمَّمتْ، ثم خرجتْ مع خطيبِها إلى السينما. 
الآنَ أذكرُ كيف حلا لي حينَها أن أصنعَ من شهوتِها صليبًا لقلبي، أن أصبحَ شاعرًا على حسابِ سمعتِها السَّيِّئة، لولا أن للشِّعرِ أسرارَهُ ومكائدَهُ، إذ انكشفتْ عورتي تحتَ وميضِه فجأةً، فأنقذني منِّي، تعلمتُ على يديّهِ كيف أن مارسيلَ قدِّيسةٌ من طرازٍ مخصوصٍ، لا يعرفُ قدرَهُ أمثالي من السَّطحيِّين، طرازٍ يمكنه هدايةُ خرافِهِ دون عصا أو عُتبى أو كلام، عرفتُ من يومِها أهميةَ أن يبقى المرءُ حيًّا، عرفتُ أخلاقيةَ أن تكونَ قادرًا على تمريرِ اللحظاتِ التعسةِ محتفظًا بسلامةِ جهازِكَ الدوريّْ. 
بعدَها، سرتُ على خُطى أستاذتي: أُخرجُ رأسي من بركةِ الواقعِ -مرَّةً بعدَ مرَّة- لآخذَ شهيقًا، فقط لآخذَ شهيقًا عميقًا، ثم سرعان ما أعاودُ النُّزولَ في العفن.
انتهتِ الحربُ يا صديقي، واختفتْ مراكبُ العشَّاقِ، صار لدينا جسرٌ عال من الأسمنتِ المُسلَّحِ يُدخِّنون فوقَهُ الحشيش، واتَّسعَ لأجيالِنا ثقبٌ أسودُ، إنه الثُّقبُ الذي ابتلعَ يومًا حسن محسب، وإسماعيل وليّ الدِّين، وموفّق بهجت، وأديبَ الشَّباب. 
نعم يا سيّد اللهُ محبَّة، 
ونُنُّس محبَّة، 
والنِّيلُ محبَّة، 
والورَّاقُ محبَّة، 
والتراموايُ الذي كان يقطعُ دورانَ شبرا -ذاتَ يومٍ- ملآنُ بالمحبَّة، 
بل .. مصرُ كلُّها محبَّة
.. 
لكن متى نفعَ في بلادِنا الحبُّ أصحابَه؟!


التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

إرسال تعليق

نبذة عنا

Restaurants

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Travelling Diaries

Entertainment

Technology

Restaurants

Travelling

Entertainment

Technology

تسمية 4