إعلان

الرئيسية » » هاتـف .. و لص .. و اشياء اخرى | عبد الحميد محمد

هاتـف .. و لص .. و اشياء اخرى | عبد الحميد محمد

Written By Unknown on الاثنين، 9 فبراير 2015 | 2:43 ص


هاتـف .. و لص .. و اشياء اخرى
عبد الحميد محمد



لم يكن " حسين " يمارس اي نشاط سوى التدخين و تناول العشاء

و لم يكن يذهب الى اي مكان سوى صالة " البلياردو " او المتجر الذي يعمل به

كان نموذج طيب لذلك الشاب الذي لا يحلم بأي شىء

ان الاحلام يا سيدي باهظة التكاليف .. و هو اعتاد ان يدخر حماسه لمصيبة ستأتي دون شك اي مصيبة .. المهم ان يكون دائما على اهبة الاستعداد.

.

في هذا اليوم قرر ان يذهب الى مكان آخر غير صالة البلياردو

كابينة هاتفية متهالكة تقع على مقربة من بيته

و الهدف كان محددا وواضحا لاقصى درجة ..

سيتصل بتلك الفتاة التى عشقها لفترة طويلة عن بُعد ..

و التي لا تعرف عنه أي شىء .. و قد يعود السبب الى عائلتها التي بدا جليا انهم من الاثرياء

سيتصل بها و يخبرها بكل شىء

حتى و ان كانت النتيجة هي " صدمة " جديدة تُضم الى قائمة الصدمات السابقة

.

.

حسنا .. لقد صرت الان تعرف كل شىء عن حسين , و عن ما ينتوي القيام به

لكنك لن تفهم ابدا لماذا توقف حسين قرابة الساعة و نصف عند الكابينة .. يدور حولها احيانا و يقف منتصبا امامها احايين أخرى

و ارجو الا يتبادر الى ذهنك انه كان يكلم حبيبته لان سماعة الهاتف لم تبرح مكانها لحظة واحدة ..

هذا المعتوه لا يتحدث الى احد عبر الهاتف .. لو شئت الدقة لقلت انه يتحدث الى الهاتف ذاته

.

.

الاشياء لها لغة .. و شخصية

نحن نعرف ذلك و لكننا لا نتعمق فيه ..

من يجازف بالتوغل اكثر في هذه المنطقة يصير شاعرا او يجن

و لكن أي لغة تحدث بها حسين مع هذا الهاتف الذي بدا انه ثرثارا ؟

.

.

_ لا تحاول .. !

في البداية أقنع نفسه ان الجملة ترددت في ارجاء ذهنه , لكن مع تكرارها أيقن ان مصدر الصوت خارجي و لا شك

تلفت حوله عله يجد أحدا يكلمه لكنه كان وحيدا تماما

نمت الى ذهنه تلك الفكرة المخيفة , لكنه طردها سريعاً

هناك متسع من الوقت فيما بعد لكي يجن بكل اريحية , اما الان فهو مشغول بمحاولة التحدث الى حبيبته

لا وقت للجنون هنالك

_ نعم .. انا من يتحدث اليك

من العبث حقا ان يكلمك هاتف و من العبث اكثر ان تجد نفسك ترد عليه

قال له و هو لا يزال غير مصدق :

_ حسبت ان مهمتك هي ان تمنح البشر فرصة للحديث من خلالك .. لم اكن اعلم ان الامر تطور لكي تتحدث أنت

رد عليه الهاتف بثقة :

_ كنت كذلك قبل ان اكتشف ان هناك من يخاف من مجرد الحديث الى شخص يحبه

يا صاحبي محاولتك هذه تأخرت ثلاث سنوات كاملة .. كنت انتظرك فيها يوما بعد يوم و لكنك لا تجىء



_و الآن حين جئت .. تحاول انت تعطلني بحديثك الفارغ .. ؟ من فضلك دعني انهي هذه المهمة لكي استريح



قلت لك لا تحاول .. فأنا لا امنح فرص الحديث الى اللصوص



رانت الكلمة الاخيرة على قلبه فأدمته أكثر

و تذكر على الفور تلك الواقعة التي مر عليها عامين كاملين و لكنه لم يستطع ان ينساها لحظة

.

.

لم يعتبر نفسه لصاً حين اقدم على ذلك

لقد سرق .. !

نعم استولى على مائة جنيه من حصيلة المتجر الذي يعمل به

كان جائعا , و لم يكن في جيبه مليم

لو كان المطلوب منه ان يموت جوعا هذه الليلة فإنه يعتذر عن هذا الشرف

الغريب حقا انه لم يشعر بالشبع ابدا

إبتاع طعاما كثيرا يكفيه لاسبوع و تناوله كله .. لكنه لم يشعر بالشبع

والآن بعد عامين يريد هاتف احمق ان يحاسبه على جريمة لم يستفد منها و لم يشعر العالم بحدوثها

.

.

نفض عنه ذكرياته المريرة وراح يضرب ازرار الهاتف بعنف

لكن رقما واحدا لم يكتب على شاشة الهاتف الصغيرة

ضحك الهاتف ساخرا و قال :

_ هل تظن حقا انك تستطيع التحدث دون إرادتي ؟

_ و هل تظن حقا انه لا يوجد هاتف في العالم سواك ؟

_ يمكنك الذهاب الى اي هاتف تريد و لكنك لن تتحدث من خلالي ابدا

إستفزته ثقة الهاتف كثيرا فإشتعل غيظا و صار لا يريد من هذه الدنيا الا ان يتحدث لاي شخص لكن عبر هذا الهاتف بالذات

راح يضرب الازرار من جديد دون جدوى

لن تتحكم فيه قطعة المعدن هذه مهما كانت الظروف

تناول عصا كانت ملقاة على الارض و ضرب بها الأزرار و لكن لا جديد

و ضحكات الهاتف تتعالى اكثر مع كل ضربة

.

.

_ لم يهتز لك جفن و انت ترى الطفل الصغير يُضرب بلا رحمة أملا في أن يخرج مائة جنيه لا يعرف حتى شكلها

_ كفى

_ لقد اوسع صاحب المحل الصبي ضرباً في حين لم تكلف نفسك عناء الشعور بالذنب

_ قلت لك كفى .. لا اريد أن اسمع

قالها حسين و مضى من امام الكابينة الهاتفية لا يلوى على شىء

إنه حقا لم ينس تلك الواقعة الآثمة

فلما أراد الهاتف ان يفتق جرحه المتقيح في هذه اللحظة بالذات

هل حقا ليس له أن يحب مثل باقى الخلق لمجرد انه سرق ؟

كان قد وصل الى قمة حنقه على هذا العالم البغيض الذي لم يوحي له و لو مرة ان القادم سيكون اجمل ... و انه سيكون بخير

شعر بحرارة الافكار تكاد تفتك برأسه

أراد أن يطفىء لهيبها

فلم يجد أمامه سوى النيل فاتحا ذراعيه عن آخرهما

إرتمى في حضن امواجه الهادئة

ناسيا ان الساعة قد تخطت الثالثة صباحا

و ان الشارع خاويا الا من عدة اعمدة متهالكة للأنارة

و ناسيا ايضا انه لا يعرف العوم

.

.

في اليوم التالي تجمهر الناس عند المرسى المهجور

يقال انهم انتشلوا جثة جديدة لشاب في مقتبل العمر

الجميع راحوا يتسائلون عن سر انتحار شاب مثله

في حين انشغل عمال البلدية في ازالة كابينة هاتفية متهالكة

لا تعمل منذ اسبوع





التعليقات
0 التعليقات

0 comments:

إرسال تعليق

نبذة عنا

Restaurants

يتم التشغيل بواسطة Blogger.

Travelling Diaries

Entertainment

Technology

Restaurants

Travelling

Entertainment

Technology

تسمية 4